Rechercher dans ce blog

jeudi 8 juillet 2010

الزوايا في الجزائر

ظهرت الزوايا في المغرب الإسلامي منذ القرن السادس الهجري، الثالث عشر ميلادي، حيث حلت تدريجيا محل الرباط، ثم تطورت مهامها وتوسعت على يد المرابطين والطرق الصوفية، وجمعت بين العبادة والتعليم والتوجيه والإصلاح والجهاد في وقت واحد.

نمت هذه الزوايا وانتشرت بكثرة في القرن الثامن عشر الهجري= الخامس عشر ميلادي كرد فعل لحادثين كبيرين في حياة المسلمين في الجزائر وهما: ضياع الأندلس والغزو الصليبي المتمثل في احتلال اسبانيا لثغور الجزائر لاسيما المدن الساحلية.

واللافت للانتباه أن هذه الزوايا واسعة الانتشار، فهي في المدن والقرى والأرياف على قمم الجبال وفي أعماق الصحراء وعلى السواحل في الرباطات والمنارات حيث التجأ إليها وأقام فيها أناس نذروا أنفسهم لعبادة الله كانوا فيها فرسانا بالنهار رهبانا بالليل حريصين على أن يكونوا المعنيين بالحديث الشريف: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله".

وقد كان للزوايا في الجزائر دور فعال في المحافظة على التماسك الديني والخلقي والاجتماعي، وفي حفظ المجتمع من تهديد الأخطار الكبرى، بل قد كانت حركات الجهاد المسلّح ضد الطغيان الاستعماري الفرنسي تنطلق من هذه الزوايا التي شكّلت مراكز تعبئة ضد الغزاة المعتدين، لعلّ أبرزها حركة الأمير عبد القادر والشيخ الحداد والشيخ بوعمامة والمجاهدة لالا فاطمة انسومر...

ويذهب بعض الباحثين إلى أن الزوايا في الجزائر هي التراث والرمز الأكبر لهذا الوطن، لأنها حفظت طيلة عهد الاحتلال لهذه الأمة المسلمة قرآنها ولغتها ودينها وأخلاقها الإسلامية من طاعة وأدب وغيرة وحياء وتضامن وسخاء وشجاعة وغير ذلك من فضائل الأخلاق، بالإضافة إلى حب الإسلام وبغض الكفر والكافرين، إلى جانب ما قامت به من جهاد ودعت إليه وجندت له أتباعها، إذ ما من ثورة أو انتفاضة أو مقاومة أو جهاد إلا وهو مقرون باسم شيخ زاوية أو زوايا.

وعندما اندلعت ثورة التحرير تحولت زوايا كثيرة إلى مراكز للثورة تحت غلاف التعليم أو التعبد، تعقد فيها الاجتماعات للتنظيم والإعلام والتجنيد والتمويل وجمع السلاح والدواء وغير ذلك مما تتطلبه الثورة. وتكوّن بكثير من الزوايا محاكم شرعية بأمر الثورة للفصل في قضايا المواطنين بشريعة الله بدل الاحتكام عند المحاكم الفرنسية، وقد سجن كثير من شيوخ الزوايا وأبنائهم وعذبوا ونفوا واستشهد بعضهم، وأحرقت ودمّرت زوايا عديدة في بلاد القبائل وغيرها.

واعتبرها البعض الآخر وكرا للخرافة والدجل والشعوذة، ومن الأسباب الرئيسة التي أدت إلى انهيار المجتمعات العربية الإسلامية.

على أنه ظهرت في السنوات الأخيرة كثير من الأطروحات والأعمال العلمية التي أعدت لدراسة دور الزوايا في الحياة الثقافية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية، كما عقدت في الفترة الماضية عديد الندوات والحلقات الدراسية لمعرفة الأدوار الأساسية التي قامت بها الزوايا في الماضي والحاضر. وهي دراسات تهدف إلى معرفة حقيقة هذه المؤسسات الدينية بعيدا عن الميولات العاطفية أو التوجهات الإيديولوجية.

وسأحاول معرفة الأدوار التي قامت بها الزوايا العلمية في الجزائر، من أدوار علمية وروحية ثقافية واجتماعية وجهادية، أريد التعرف على هذه الأدوار، مع ملاحظة صعوبة العمل بالنظر إلى التراكمات والخلفيات الني تكونت لدى كثير من الباحثين حول هذه المؤسسات، ومحاولة بعضهم تشويه تاريخ هذه المؤسسات.

وتندرج هذه المحاولة ضمن المجهودات التي تبذل مؤخرا من قبل باحثين جادين للعمل على توضيح الصورة بشكل أكثر واقعية وأقرب إلى الحقيقة العلمية، على رأسهم مجهودات الأستاذ محمد أرزقي فراد الذي أعطى الموضوع حقه من الدراسة والبحث والنظرة الموضوعية النزيهة.

التعريف والنشأة

مصطلح الزاوية: تعريفها:

أ ـ لغة: كلمة زاوية مشتقة من الفعل انزوى، بمعنى اتخذ ركنا من أركان المسجد للاعتكاف والتعبّد. وقال السنوسي: "إن كلمة الزاوية دال على معناها، وهي من زوى، يزوي إذا جمع الشيء"، وبالتالي فالزاوية جامعة، لكونها تجمع العباد على حب الله ورسوله، وذكره تعالى، وكانت العرب تقول: "تزاوى القوم"، أي تضامنوا، وتحلقوا في بقعة لغرض ما من أغراض الحياة.

كما يطلق على الزوايا لفظ: الخوانق، وهي جمع خانقاه. كلمة فارسية تعني بيت، وأصلها خانقاه، وهي الموضع الذي يأكل فيه الملك. وكما هو معروف أن أهل الزاوية يتحلقون، ويجتمعون ذاكرين الله تعالى، ومنه فاللفظ مشتق من الفعل: انزوى.

ب ـ اصطلاحا: لعل أقدم تعريف لها هو ما ورد عن ابن مرزوق الخطيب (ت 781هـ= 1319م) في كتابه ((المسند الصحيح في مآثر مولانا أبي الحسن)) في قوله: "هي المواضع المعدة لارفاق الواردين وإطعام المحتاجين من القاصدين". ثم ذكر أن الزاوية هي ما يعرف في المشرق بالرباط.

ولكن يلاحظ على هذا التعريف أنه ليس جامعا مانعا، فلا يشمل كل الزوايا، إنما يشير إلى الزوايا التي أقامها المرينيون، فتعتبر أن هذا التعريف خاص بالزوايا التي أنشأها هؤلاء داخل المدن الكبرى، لأن هناك زوايا لم تقتصر على هذه المهام فقط، إنما وسعت مجالاتها إلى تدريس العلوم، الحفاظ على المبادئ الإسلامية والأخلاق، تكوين أجيال من الفقهاء والمدرسين، إصلاح ذات البين....الخ.

ويمكن تعريفها أيضا بأنها مدرسة دينية، ودار لضيافة الأغراب، وتعتبر مراكز لمشائخ الطرق الصوفيّة، مخصّصة للعلم، والثقافة العربيّة الإسلاميّة في مراحل الدراسة.

على أننا في دائرة المعارف الإسلامية نجد لها تعريفا شاملا: "يطلق هذا اللفظ في شمال إفريقيا على مجموعة من الأبنية ذات طابع ديني: غرفة للصلاة، ضريح لأحد المرابطين أو ولي من الأشراف تعلوه قبة، غرفة قصرت على تلاوة القرآن، مدرسة لتحفيظ القرآن، غرفة مخصصة لضيوف الزاوية والحجاج والمسافرين، وغرف للطلبة، ويلحق بالزاوية عادة مقبرة تشمل قبور أولئك الذين أوصوا في حياتهم أن يدفنوا بها.".

ويظهر أن مصطلح "زاوية" لم يتحدد معناه إلا بعد عصر الغبريني الذي كان من الأوائل الذين ذكروا مصطلح زاوية في كتاباتهم، ففي ترجمته للشيخ أبي زكريا الزواوي ذكر اللفظ: "... ثم دخل زاويته دون أن يختم مجلسه بالدعاء المعهود عنه"، وفي مقام آخر ذكر الرابطة ففي ترجمة ابن يبكى وصفه بـ "صاحب الرابطة المعروفة الآن (رابطة بن يبكى) بداخل باب أمسيون من أعلى سند بجاية".

واشتهر الكثير من سلاطين الدولة الزيانية ببناء الزوايا والتحبيس عليها، مثلما جاء في مناقب السلطان أبي فارس عبد العزيز (796 ـ 837هـ) والسلطان أبي عمرو بن عثمان. وقد حرص الكثير من سلاطين بني مرين على بناء الزوايا والاهتمام بها، مثلما هو الحال بالنسبة للسلطان يعقوب بن عبد الحق (685 ـ 706هـ): "وبنى الزوايا في الفلوات وأوقف لها الأوقاف الكثيرة لإطعام عابري السبيل وذوي الحاجات..".

وقد نشأت الزاوية تحت ظروف بيئية واجتماعية ودينية معينة، وعرفت تطورها الكامل في القرن 14م أثناء الفترة المرينية وحكم بني عبد الوادي، الذين أخذت الزوايا في عهديهما شكلها الأخير وإطارها المحدد المعروف. وهي تمثل أكمل تطور اجتماعي مرت به الحركة الصوفية في المغرب العربي. فمنذ القرن السابع الهجري بدأت تتكون الجماعات الصوفية في بلاد المغرب الأوسط، ـ وكان التصوف قبل هذا يقتصر على الأفراد، وهذا ما نستنتجه من خلال انتشار الزوايا ـ، وبدأ تطورها التدريجي: فمن ركن أو مسجد صغير مخصص للعبادة والصلاة والذكر، إلى مكان لإرفاق الواردين وإطعام المحتاج إلى مؤسسة فريدة قائمة تؤدي عدة مهام وأدوار في أوساط المجتمع.

واستقر مفهوم الزاوية فيما بعد على المكان الذي يلتقي فيه المتعبدون الراغبون في الحياة بمعزل عن العالم، لكنها احتفظت إلى جانب ذلك بالوظائف التي مارستها في بداية نشأتها، كمكان يستقبل عابري السبيل وطلبة العلم. وتؤدي وظائف مختلفة.

وقد ساعدت هذه الزوايا على نشر التعليم الديني، مما أدى إلى انتشار التصوف والطرق الصوفية، في القرى والأرياف والحواضر بالمغرب الإسلامي.